حَوْلَ قريتِنا سُورٌ مِنْ حِصارْ
أَعْمدِة ٌمِنْ أشجارْ
أحراشُ خَوفٍ
وغابَةْ
كانت مَحْظورَةً مَمْنوعَة
تدورُ حَوْلها الأقاصيصُ المُرعِبَةُ
أقاصيصُ تنمو والأطفالَ في قَريتِنا
لِتُنشئَ جيلاً مُرْتابا
قالوا فيها وَحْشٌ
عيناهُ نارْ
وَفَمُهُ مغارَةٌ مِن جماجِم
يَدُهُ حَديديَّةٌ مِخْلَبية
يَقرَأ الأفكارْ
فَيَقْتُلُ ليلاً من يُفَكِّر للغابَةِ الذهابَ
وَظَلَّتْ غابَتُنا مَهْجورَةً
حتّى جاءَ يَوْمٌ
أقْبَلَ مِنْ ناحيَتِها ظِلٌّ
وَأخذَ يقتَرِبُ من قريتنا
يَقْتَربُ وَيَقْتَرِب
حتّى أبصرناهْ :
رَجُلٌ في مُقْتَبَلِ العُمْرِ
بالكادِ نَما شارِباه
أسلِحَتُنا مُوّجَّهَةٌ نَحْوَهُ
فالوحْشَ الخَطيرَ ظَننَّاه!
وَهوَ مِن أسلحتنا ما هابَ
بل ابتسم وقال :
لستُ وَحشاً معاذَ الله !
:
هدأنا وَرَكضْنا نَحْوَهُ
نسألُهُ عَن الوَحْش الكاسِرِ في الغابةْ
:
وجاءنا الخبرُ اليقينْ
لا وَحْش هُناكِ ولا تنّينْ !
ولا مَخْلوق بَشِع
ولا حتى أسد لعين!
:
فصارَت الغابَةُ مُتّنَزَّهنا
نَقضي فيها أيَّامَنا وَليالينا ما نرتابْ
:
حتّى أبصرْنا يوماً
رجلاً يَقْفِزُ فَوْقَ الشَّجرِ كالسَّعدانْ
قالوا : هذا طرزانْ !
طِفْلُ الغابَةِ تُرِكَ فيها وَهوَ صَغيرْ
رَبَّتْهُ الحيواناتُ وعَلَّمَته
تراهُ يَقْفِزُ كالقِرْدِ
ويَزْحَفُ كالأفعى ، يَشْرَبُ كالأرنبِ
ولو صَنَعْتَ لَه جناحين ستراهُ كَيفَ كالنَّسرِ يطيرْ
:
أقْنَعَنا طرزانَ المِسكينَ
أن يعيشَ معنا
في قريتنا
:
علمناهُ أصولَ "الإتيكيت"
وكانَ ذكياً
تعلّمَ الأبجديةَ والأرقامْ
كان وفياً
قال في مَدْحِنا خَيْرَ كلامْ
:
وَصارَ طَرَزانُ عُمْدّتَنا
كان حَكيْماً
يَحُلُّ بِنزاهةٍ وَعَدْلٍ مشاكِلَنا
صارَ في قَرْيَتِنا كَبيرَ المَقام
:
ثُمَّ صارَ لَهُ في أطرافِ قريتِنا قَصْرٌ
يستَقْبِلُ فيهِ الأعضاءَ والنوّابْ
وَكَبُرَ طرزانُ
وَكَبُرْ
وَصارَ يُهابْ
صارَ يُمسِكُ بِيَدِهِ عصا يُلَوِّحُها في وَجْهِ مَن أرادَ مِنْهُ الاقترابْ
صارَ بَغِيْضاً
صارَ لئيماً
وَصارَ حديثُنا مَعَهُ نادِراً
وصارَ لهُ حَرَسٌ
من الكلابْ
حتّى جاءَ يَوْمٌ استيقظنا على خَبَرِ مَوْتهِ
مَقْتولاً ..
في بَيــتِهِ
وَتَعدَّدت الأقوالُ في الفاعلِ كما تعددت الأسبابْ !
قالوا زَوْجَتُهُ الأولى !
قالوا: أحَدٌ مِمَّن خانَهُ مِنَ الأصحابْ !
قالوا: أَحَدُ حُرّاسِهِ
قالوا: عَميلٌ للقريَةِ المُجاوِرَةِ !
قالوا : انْتَحَرْ!
وَما عَلموا أنّها حَيواناتٌ قَدْ رَبَّتْهُ صَغيراً
وَأحْنَقها ظُلْمُهُ
غَدْرُهُ
لؤمُهُ ...
أحنَقَتْها
مُخالَفَتُهُ لقوانينِ الغابْ !
:
: